top of page
Search

عن أيّار

  • Writer: Fatima Alharthi
    Fatima Alharthi
  • May 17
  • 3 min read

أيّار هو شهر الصحة النفسية هنا في أمريكا. ولو أنه تعجبني رنة "أيّار" إلا أن المصطلح الإفرنجي "ماي" لازمني طيلة حياتي منذ اليوم الذي قرأت فيه شهادة ميلادي وأنا في المرحلة الابتدائية لأعرف تاريخ ميلادي غير الهجري.

 في أيّار، عزف بيتهوڤن لأول مرة سيمفونيته التاسعة في ڤيينا والتي تحتوي على "أنشودة الفرح،" وفي  أيّار اكتشف كريستوفر كولومبس جامايكا في رحلته الثانية. في أيّار ولُدت الرائدة الصحفية الرحالة نيلي بلاي، سيجموند فرويد، مالكوم اكس، آرثر كونان دويل مؤلف شيرلوك هولمز،رالف والدو ويلسون، والت ويتمان. هناك أيضًا شخصيات مهمة ولدت في نفس الشهر مثل جون كيندي وهاري ترومان وكاول ماركس والمؤرخ الألماني أوزوالد سبينجلر. 


أول ما سمعت مصطلح "الصحة النفسية" كان في الجامعة أثناء دراستي للبكالوريوس، ولا أذكر أنني عنيت بفهم المادة والاستمتاع بها بقدر ما كنت أحرص على الحصول على علامة جيدة كون أن دكتورة المادة عُرف عنها الحزم. أذكر أن هذه الدكتورة وإن كان أغلب من عاصرته ذم طريقة تعاملها وشدتها، إلا أنها أبدت تفهما في اليوم الذي أتيت إليها بواجبي وواجب صديقتي وأخبرتها أن صديقتي لم تستطع المجيء لكنها أكملت الواجب. 


لم يحدث في حياتي الجامعة أن كذبت أو حضرت أحدًا من صديقاتي أو نظرت إلى ورقة إحداهن أو قربت ورقتي لأساعد في الحل، لكني ذاك اليوم الذي كان علينا أن نسلم واجبًا عليه ثلاثون درجة، كان علي أن أفعل شيئا. 


في الليلة التي سبقت يوم تسليم الواجب، أخبرتني صديقتي أنها طبعت الواجب وأرسلت سائقها للمكتبة ليغلفه، وفي الصباح اتصلت عليها مرارًا دون جدوى. كونها أمًا وتزوجت بعد المرحلة الثانوية،إضافة لمعاونة زوجها في دراسته، نامت قبل الفجر بقليل ولم تستطع الاستيقاظ رغم كثرة اتصالي عليها. في طريقي للجامعة، توقفت عند منزلها، فتحت لي الخادمة وكانت معاها ابنتي صديقتي وهما في السنة والسنتين من العمر. أذكر إلى الآن المصاصة في فم إحداهما. سألت الخادمة: 

 "فين مدام؟"

"مدام نايمة." 

توقفت لوهلة، أحاول التفكير فيما يجدر بي فعله، فالدكتورة شديدة جدًا ولا تقبل الواجب المتأخر مهما كان عذر الطالبة. سألت الخادمة: 

"جاب أمس السواق واجب حق مدام؟"

"ايوا" 

"أعطيني هوا وإذا صحيت مدام، قوليلها أنا جيت وأخذت الواجب." 


كان واجب زميلتي كاملاً، مغلفا ببلاستيك كأجود ما يكون في تنسيقه ولازال في كيس من النايلون الأزرق. تركت الكيس في السيارة، ووضعت واجب صديقتي مع واجبي في حقيبتي، وكلي خوف من ردة فعل الدكتورة. ربما صليتُ ركعتي الضحى في السيارة ذلك اليوم وطلبت من الله التيسير، وربما سهوت، لكنني حاولت أن أفعل ما أفتاه علي قلبي.  


أتذكر الخوف وأنا أنزل المدرج في قاعة ١٠٣ حيث الطاولة التي تستقبل فيها الدكتورة الواجبات في نهاية المحاضرة وهي واقفة كأحزم ما تكون. أتذكر طرق قلبي وأنا معي واجبين وخوفي أن تردني خائبة وتسأل عن صديقتي. أتذكر الواجبات التي بدأت تتراكم على الطاولة وخطواتي التي بدأت تقترب من الدكتورة وطاولتها والواجبات المتزايدة. خوفي من ردة فعلها كان أشد من خوفي من القطط التي كانت تختبئ في أول المدرج حيث  مفرشة أرض ملفوفة ومغبرة من طول الزمن. 

استلمت الدكتورة الواجبين وقالت لي "طيب" ولم تستجوبني. 


مضى على ذلك الحدث ما يقارب العشرون عامًا، ولو أنني في تدريسي أحرص على أن أخصص "يوم صحة نفسية" لغياب الطالبات بعذر في أي يوم خلال الفصل الدراسي، إلا أنه يجدر بي أن أشهد أن موقف الدكتورة في ذلك اليوم أوضح البعد العملي للصحة النفسية، كيف أنها أومأت برأسها وقالت "طيب" دون أن تسألني عن سبب غياب صديقتي. 


اليوم وأنا في آخر أيامي قبل عيد ميلادي التاسع والثلاثون، أسأل نفسي: "ما الذي يجعلني أكثر سعادة؟" وأجدني أراقب الطيور، أتعلم أسماءها وأميزها من أصواتهم. أسميت أحدهم "سعدًا" في البداية والآن أدع أسماءهم العلمية لنفسي وكتابتي وقصصي وأسميهم جميعا "سعد" و "سعدة."

طبعًا كغيري من البشر لدي الكثير من الهموم والمهام التي لا تنتهي، لكنني وصلت لمرحلة أعرف فيها أن الرياضة، مراقبة الطيور، المشي، سقي النباتات، القراءة، الكتابة، سماع الموسيقى، والتواصل مع الأصدقاء هي مَبهجات الحياة التي لا تتوقف على شهر أيّار. 






 
 
 

Kommentare


© 2025 by Fatima Alharthi

bottom of page